الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة صالون الديكامرون يغزو الملاعب وسحر كرة القدم وعبقرية مارادونا

نشر في  13 مارس 2014  (14:26)

سئلت المنجمة الالمانية "دورثى سولل": كيف توضحين لطفل ما هي السعادة؟ فردّت لا اوّضح بل اعطيه كرة ليلعب ". كرة القدم هذه المستديرة الفاتنة الساحرة التى شغلت الناس وسلبت عقول العديد منهم هذه الظاهرة الاستثنائية اعتنى بها الأدب الغربي فى الكثير من اعماله فى مقابل تناول ضئيل ونادر للادب العربي لعله الاستعلاء او لعلها تبدو لهم ترفيها سفيها.

كرة القدم كما يقول" غاليانو" هي مرآة العالم تقدم الف حكاية وحكاية، لهذا حاول صالون الديكامرون غزو الملاعب والاهتمام بهذه الظاهرة التى شغلت العديد من الادباء والفلاسفة وذلك من خلال "غرفة مارادونا" التى قدمها الباحث فى الفلسفة عدنان الجدي بمشاركة الروائي كمال الرياحى.

وقد انطلقت الحصة مع فيديو للمدونة المعتمدة فى هذا الموضوع والتطرق الى اول محور وهي كرة القدم بين الكتاب والفلاسفة وفيها تناول كمال الرياحى بعض المصادر النادرة التى تحدثت عن كرة القدم فى اشارة الى رواية رشيد بو جدرة " ضربة جزاء" التى ترجمها الروائي مرزاق بقطاش ولقد تناول الكاتب روايته هذه على خلفية رياضية تتمثل فى نهائي كأس فرنسا فى سنة 1957 التى تنافس فيها كل من تولوز وانجى.

ومن خلال هذا العمل يتعرض لقيام فدائي جزائري بقتل الباشاغا "محمد شكّال" الذى كان احد عملاء الاحتلال الفرنسي والطريف ان هذه الرواية ضمت اثني عشر فصلا تقطعت حسب ايقاع النتائج بين الطرفين بدءا تولوز "صفر" و آنجى "صفر " الى نهاية المباراة تولوز "6" و"3" لآنجى ومن خلال هذه الرواية يتتبع بوجدرة المسارات المكانية والتشكيلات الهندسية التى ترسمها اقدام اللاعبين على ارضية الملعب رواية اهتمت كما روايات بوجدرة الاخرى بالمقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي.

كما تعرض الرياحى الى عمل آخر وهو مقال للشاعر الفلسطينى محمود درويش كتبه بُعيد مباراة الارجنتين والمانيا فى مونديال عام 1986 التى فازت فيها الارجنتين بثلاثة اهداف لهدفين بعنوان " مارادونا لن تجدوا دما فى عروقه بل وقود الصواريخ" والطريف ان درويش يتساءل" لماذا لا تكون كرة القدم موضوعا للادب للفن ؟ لماذا لا يتعامل الأدب مع هذا البارود العاطفى الذى يشغل الملايين فى علاقتها بالمشهد الذى يحولها الى مشهد درامى ؟"

كما يضيف الرياحى الى ان السينما العربية لم تهتم بكرة القدم الا فى بعض الاشرطة القليلة جدا منها " غريب فى بيتى " بطولة نور الشريف وسعاد حسنى او الحريف بطولة عادل امام ويتحدث عن لاعب كرة قدم الشوارع فى اطار اجتماعى سياسي ثم ينطلق الجدي مع المدونة الغربية وثرائها فى تناول الموضوع فهناك يستمتعون بلعب كرة القدم وبمشاهدتها ويستمتعون بالكتابة والقراءة عنها.

وينطلق من كتاب الايطالى "فاليريو" من خلال كتابه "وداعا كرة القدم "وهو من محبى هذه اللعبة قدم احداث روايته فى شوطين يعنى زمنها تسعين دقيقة كل دقيقة يقدم فيها ذكرى من ذكريات كرة القدم ثم يتعرض لكتاب" الملاعب " لبازولينى وهو اول من اشار ان كرة القدم "لغة"لانها تضم مجموعة من الرموز التى يمكن فهمها والتعامل معها دون الحاجة الى اية لغة اخرى ولقد وضع هده اللعبة فى كثير من اعماله كجزء اساسي من الحياة وكان من رأيه ان كرة القدم هي العرض الذى حلّ محلّ المسرح وانها تحولت الى ما يشبه الطقوس الاغريقية وكان بازولينى لاعبا ماهرا وقد سئل مرة عما كان يريد ان يكون فرد قائلا " لاعب كرة ماهر بعد السينما والجنس تعتبر كرة القدم من اعظم المتع بالنسبة لى ".

ثم تعرض لكتاب مهم جدا وهو كتاب" غاليانو " كرة القدم بين الشمس والظل وهذا الكتاب مترجم للعربية ترجمه صالح علمانى وفى هذا الكتاب يستعرض المؤلف ذاكرة وواقع كرة القدم من خلال تسليط الضوء على تاريخ هذه الرياضة واهم العناصر المؤثرة بها التى تدور حولها مثل : حارس المرمى، اللاعب، المشجع،  الهدف و الحكم ..... واهم مباريات كأس العالم من سنة 1938 وحتى مونديال 1994 محاولا من خلال سرده التحدث عن اهم الاهداف التى تم تسجيلها وعلى اهم اللاعبين الذين برزوا فى تلك الحقبة من الزمن ولقبوا باسياد الكرة امثال : بيليه مارادونا بلاتينى وغيرهم.

ثم اشار الى كتاب" نساء فى الملعب" لغارلات وفيه يتحدث عن نساء يرافقن ازواحهن للملاعب للضرورة ونساء يدهبن للاستمتاع بهوايتهم ومعظمهن يذهبن لا لمشاهدة المباريات وانما لتصفية الحسابات رواية اجتماعية نقدية ثم ينتقل الى الايطالى" انبارتو ايكو "وهو فيلسوف ايطالي وروائي وباحث قدم موقفا نقديا من كرة القدم يرى على عكس الكثيرين ان هذه اللعبة طريقة ماكرة لالهاء الناس عن الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال علاقة كرة القدم بالعنف بالمخدرات بالادمان وذلك من خلال كتابه" الحرب الوهمية."

ثم اشار الى كتاب " كيف تسجل هدفا" لكان براي" ويعتبر هذا الاخير كرة القدم من العلوم الصحيحة مثل الرياضيات والفيزياء ودرس براي فى كتابه كل التقنيات الممكنة بنظرية علمية دقيقة ثم اخيرا وليس آخرا كتاب لبيتر هاندكه " وهو كاتب ومترجم نمساوى من خلال كتابه " ذعر الحارس " وهنا يقدم فيديو ساخر مباراة كرة قدم بين الفلاسفة اليونانيين سقراط افلاطون وغيرهم وفلاسفة الحداثة من بينهم نيشه وهيغل ثم يعرض فيديو آخرعن حضور وتواجد الاديب الفرنسي ألبار كامو وشغفة بكرة القدم يشير الجدي ان صاحب نوبل كان يمارس كرة القدم حيث كان حارسا فى فريق جزائري قبل ان يهاجر الى فرنسا وكان دائما يقول " كل ما تعلمته فى الحياة تعلمته من كرة القدم ."

ويتدخل هنا كمال الرياحى ليشير ان الروائي التونسي عبد الجبار العش صاحب جائزة الكومار الذهبى كان هو ايضا من لاعبى كرة القدم وتحول من لعب الكرة الى اللعب بالكلمات حيث يقول فى مقال له " نبت الروائي التونسي عبد الجبار العش من بين ملاعب الكرة وصخب فضاءاتها ليقدم للسرد تسديدات قوية اربكت منجز احفاد الروائي التونسي الكبير محمود المسعدى ومريديه "(العش من ملاعب كرة القدم الى عالم الرواية لكمال الرياحى) تستمر الحصة من خلال فيديو للاعب شغل الناس ويعتبر اسطورة من اساطير كرة القدم بعد بيليه وهو مارادونا.

وبالتالى ننتقل الى المحور الثاتى وهو اسطورة السرديات الحديثة مارادونا ومواصفات الرب المعاصر : حيث يقدم مارادونا بمواصفات الالاه فهو يعتبر عند البعض قديس له بركات وقدرة كبيرة على النصر وهو شخصية تجمع بين المتناقضات ثم قدم الجدي فيديو آخر لاغنية اداها مارادونا وكانت بمثابة النشيد الرسمى ومسح فيها الطابع الاجتماعى الطبقة الفقيرة التى جاء منها ماردونا الطابع الدينى العقيدة المسيحية وحضور الذات الفردية والجماعية ومن خلال فيديو اخير لمارادونا وهو يتمثل فى الهدف الذى سجله فى مونديال الارجنتين وبه فازت بهذا الكأس تضاف بركات اخرى لهذا اللاعب وهي اليد الالاهية القادرة على منح النصر والفوز لبلاده وادخال السعادة على جمهوره.

ومن هذه المتعة الكروية الميدانية مع مارادونا ينقلنا الرياحى الى متعة اخرى مع الكلمات ليقرأ علينا مقال محمود درويش كاملا عن مارادونا " مارادونا لن يجدوافى عروقه دم بل وقودا للصواريخ حيث يظهر درويش مفتونا باللعبة مفتونا بلاعب يقول ان له وجه طفل ووجه ملاك له جسد الكرة له قدم غزال عملاق وله هتافنا: مارادونا مارادونا مارادونا وبما ان مارادونا شبه بالإلاه فماهو وجه الشبه بين كرة القدم والدين يجيب الجدي ان وجه الشبه الشبه متعلق بالشعائر الخاصة بمباريات’ بالصليب’ بالطلاسم ولذلك يسميها ايبارتو ايكو ب"افيون الشعوب " وهذا ما ينقلنا الى حارس المرمى الذى يشبه بنصف الآلهة لماذا نصف آلهة لان الالاه لا يخسر بينما حارس المرمى يمكن ان يخسر فهو له وظيفة ربانية العين التى تسهر على كل شيء ولكن ميزته تراجيدية فهو الذى يتحمل كل المسؤولية وفى هذا الصدد يعرض علينا الجدي فيديو لاسرع حارس مرمى وهو"جوهارت".

ومن حراس المرمى الى ايروس الملاعب وهو المحور الثالث للحصة حيث ان العلاقة بين كرة القدم والشبقية علاقة وثيقة بداية من تسديد الهدف فى المرمى ورمزيتها الجنسية الى صرخة المعلق بغوووووول حيث ان القول كما يشير الى ذلك غاليانو هو المتعة فى كرة القدم ومثلها مثل ذروة التهيج الجنسي ولهذا يشبه بازولينى كرة القدم بانها عملية شعرية استعارية وهذا ما يحيلنا الى حسنوات المدارج وحضور المرأة القوى فى الملاعب وتسليط الضوء عليهن وعلى جمالهن اصبحت ظاهرة متكررة فى الملاعب وخاصة فى المناسبات الكبرى.

وكما لكرة القدم سحرها وجمالها ومتعتها فان لها ايضا عنفها ومضارها وسجلت فى مباريات كرة القدم عبر التاريخ عنفا قويا فى الملاعب وهذا ما تينناه من خلال فيديو عن الهوليغنز ليعبر بهذا الجدي الى آخر محور فى الحصة وهو سياسات الكرة عنف الجماهير الذى يتمثل فى التعصب الشديد لكرة القدم يحول هذه اللعبة من الانضباط والاخلاق الى الفوضى والعنف الشديد التى تسجلها كل ملاعب العالم.

وينهى الجدي عرضه بفيديو اخير عن الحكم صورة الحكم المعروف بصرامته وانضباطه الشديد الحكم فى كرة القدم هو الديكاتاتور هو الطاغية والجلاد بلغة غاليانو وينهى الجدي بان كرة القدم بدأت فنا وتحولت فيما بعد الى صناعة يتدخل فى بلورتها االشعوب والسلطة لتصبح هذه اللعبة من اهم الالعاب التى تؤثر فى المجتمع وفى اقتصاد وسياسات البلدان.

وبعد هذه الجولة الكروية والنقاش يتحول رواد صالون الديكامرون الى صالون نهج السرد والاستماع الى نصوص التى كتبها الكتاب استلهاما من الغرف التى يقدمها الصالون فقرأت" سوسن فري " نصا بعنوان "اللعنة"فى غرفة الرحلة لابن فضلان وتركز النقاش حول كتابة ادب الرحلة وكتابة الغرائبي وتركزت مداخلة الرياحى حول اللغة اولا وضرورة الفصل بين خطاب الراوى العليم وخطاب والشخصية ثم اكد على ضرورة الاهتمام اكثر بالحكاية المضمنة و بالمقام الشقوى فى الاقصوصة والذى يقوم على القطع والتساؤل ومشاركة المستمعين.

ثم اخيرا اكد على الاهتمام اكثر بالتشويق وكذلك باسباب ورود الحكاية على لسان الحكاواتى الذى يضمر دائما اسباب اجتماعية وسياسية خاصة من خلال القصة المحكية وينهى الجدي والرياحى بالاعلان عن موضوع الغرفة القادمة التى ستهتم بالموناليزا فى الآداب والفنون مؤكدين على موعد مهم لقاء سيقيمه الصالون مع الكاتب المهاجر علي مصباح مترجم نيشه الى العربية وصاحب الرواية الصادرة مؤخرا" حارة السفهاء" .

ابتسام القشورى